languageFrançais

غزة تئنّ.. العالم يصمت والضمائر تتحرّك لكسر الحصار

منذ أكثر من 600 يوم لم تتوقّف آلة الموت عن حصد الأرواح في غزة.. هناك تُسحق الطفولة تحت الأنقاض وتُزهق الأرواح بلا رحمة، وتُباد عائلات بأكملها في رمشة عين. 

مشاهد مروّعة اكتفى العالم بمتابعتها دون أن يحرّك ساكنًا وكأنّها حلقة من مسلسل مأساوي بطله عدّاد موت يتغيّر كل ثانية ليحصي شهداء ذنبهم الوحيد تمسّكهم بأرضهم، فوجدوا أنفسهم أحياء تحت الأنقاض.. أشلاء فوق الأرض بفعل قصف لا يهدأ وصواريخ تُلقى من السماء كمطر من نارٍ ورصاص، يُنهي أحلامًا لم تُروَ بعد.

في وقت تُدفن فيه غزّة تحت الركام تتوارى حكومات العالم خلف بلاغات جوفاء وشعاراتٍ تنديد وشجب لحصار يُشنّ على الأحياء والأموات معًا.. 

في غزة الدواء ممنوع والغذاء محظور وحتّى الأنفاسُ ملوّثةٌ برائحة البارود والدم

لكن وسط هذا الظلام، ما زالت أصواتٌ الإنسانيّة ترفض أن تُدفن مع الضحايا ومازالت القلوبٌ تنبض لتنتفض، والأيادي تحاول تحطيم قيود الصمت.. هناك ضمائر حيّة قرّرت أن تقف في وجه العدوّ وصمدت لأشهر أمام القمع ومحاولات إخراسها في الساحات والجامعات رافعة شعارا واحدا "FREE PALESTINE" لتعرّي "الوجه البشع" للكيان الصهيوني وكانت صوت القضية الفلسطينية الذي لم ولن يصمت.

وأمام تعنّت الاحتلال وإصراره على إبادة شعب بأكمله برزت مبادرة إنسانيّة جمّعت نشطاء وحقوقيي أكثر من 32 دولة لتنظيم "المسيرة العالمية إلى غزة" بغاية دخول القطاع سيرا على الأقدام بغاية كسر الحصار الإسرائيلي.

ويخطّط آلاف المتضامنين المشاركين في المسيرة الوصول إلى حدود غزة للمطالبة بإنهاء الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية خاصّة أن نحو 3 آلاف شاحنة محملة بالغذاء والدواء والوقود والمواد الأساسية مازالت عالقة في المعبر منذ أشهر لم يُسمح لها بالدخول ضمن سياسة تجويع متعمّدة لسكان القطاع.

مسيرة عالميّة من 32 دولة نحو معبر رفح

بينما يخوض سكّان غزّة معركتهم المعتادة مع الموت والحياة، تحرّك أصحاب الضمائر الحيّة في أكثر من 32 دولة وأطلقوا مبادرة "Global March To Gaza" تعبيرا عن رفضهم لجرائم الحرب والإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني ولمساندة شعب افتكّت أرضه واستبيحت دماؤه. 

وأعلن الآلاف من المتضامنين الذين اقتنعوا أنّ التحركات الشعبية هي وسيلة ضغط دولية بديلة أمام صمت الحكومات، عن مشاركتهم في هذا التحرك العالمي للوصول إلى غزة عبر معبر رفح وفكّ الحصار القاتل.

وحسب التحالف الرئيسي المنظم للمسيرة والذي يحمل اسم "المسيرة العالمية إلى غزة" ستتجمّع القوافل المشاركة في القاهرة ثم تتجه إلى مدينة العريش ومنها سيرا على الأقدام نحو رفح أين سيتمّ نصب خيام احتجاجية.

المشاركون وإن اختلفت لغاتهم ودياناتهم لكن جمعتهم الإنسانية ووحدتهم القضية الفلسطينية، ضربوا موعدا للتجمّع والذهاب لنُصرة الفلسطينيين حاملين رسالة مفادها "نحن معكم ولن نترككم".

وتضمّ المسيرة مشاركين من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا وبلجيكيا والبرازيل وتركيا وماليزيا وإندونيسيا وباكستان وأيضا من تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب ولبنان..

وكان رئيس التحالف الدولي ضد الاحتلال سيف أبو كشك، قد صرّح لوسائل إعلام أنّ المسيرة هي حركة مدنية سلمية وتجاوز عدد المهتمين بالمشاركة الـ10 آلاف شخص سيحاولون بشتّى الطرق إدخال المساعدات الغذائية والطبية والإمدادات الأساسية إلى القطاع المنكوب والتصدّي للقتل الممنهج للأطفال الذين باتوا يعانون المجاعة وشتّى أنواع الأوبئة.

ويطالب المتضامنون أساسا برفع الحصار عن قطاع غزّة وفتح ممرّ إنسانيّ دائم لإيصال المساعدات لشعب يُباد بآلة تستهدف المدنيين العزّل وتتعمّد قتل النساء والأطفال وقصف الملاجئ في تحدّ صارخ لكل المواثيق والمعاهدات الدولية.
قافلة الصمود.. المغرب العربي ينخرط في المسيرة العالمية

دول المغرب العربي انخرطت بدورها في هذا التحرّك العالمي، حيث وصلت قافلة "الصمود الجزائرية" فجر الاثنين 9 جوان إلى تونس بمشاركة أكثر من 200 شخص، لتلتحم بالقافلة التونسية في اتجاه ليبيا.

وتحرّكت الحافلات والسيارات وحتى الدراجات النارية من شارع الحبيب بورقيبة نحو سوسة ثم صفاقس ثم قابس ثم مدنين ثم بنقردان وصولا إلى معبر راس جدير قبل الدخول إلى الأراضي الليبية وسيتواصل خط السير إلى سرت ثم بنغازي، ومنها إلى معبر السلوم الحدودي المشترك بين ليبيا ومصر وصولا إلى القاهرة والإسكندرية ثم معبر رفح. وسيقطع المشاركون أكثر من 3100 كلم في رحلة مبرمج أن تدوم 14 يوما. 

وتضمّ القافلة أكثر من 100 سيارة و18 حافلة وتجاوز عدد المشاركين الـ1700. وفي حال دخولهم إلى مصر سيقطعون شبه الجزيرة سيناء للوصول إلى معبر رفح المؤدّي إلى قطاع غزة.

ويذكر أن شبه الجزيرة سيناء تربطها 245 كلم من الحدود المسيّجة مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة كما تربطها حدود بطول 12 كلم مع غزة.


دعوات لتأمين مسار قافلة الصمود

وكانت منظمة العفو الدولية قد دعت إلى تأمين مسار ''قافلة الصمود'' وتسهيل عبورها نحو وجهتها، معبرة عن دعمها لمبادرة المسيرة نحو غزة بغاية كسر الحصار غير القانوني المفروض على القطاع، وإلى إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى شعب يواجه كارثة إنسانية متفاقمة.

ودعت المنظمة الدول كافة إلى التحرّك الفوري، وإلّا فإنها تخاطر بالتواطؤ في الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، مشددة على أنّ الإفلات من العقاب يشجّع المحتلّ على المضيّ قدمًا في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، والإبقاء على حصار خانق وغير قانوني دام أكثر من 18 عامًا.

من جانبها طالبت المعارضة المصرية بالسماح لـ ''قافلة الصمود'' بدخول البلاد وتيسير تحركها باتجاه معبر رفح، فيما اعتبرت الأحزاب الموالية لموقف السلطة، أن القافلة ''تمثل تهديدًا للأمن القومي المصري''.

وأكّدت الأحزاب المنضوية في ''الحركة المدنية الديمقراطية'' المعارضة أنها ستكون في استقبال القافلة حال دخولها مصر عند نفق ''تحيا مصر'' في محافظة الإسماعيلية شرق البلاد المؤدي إلى سيناء لمرافقتها إلى معبر رفح.

نشطاء سفينة ''مادلين'' يجازفون بحياتهم لكسر الحصار

محاولات الناشطين لكسر الحصار عن غزّة لم تقتصر على البرّ فقط، فبحرا انطلقت سفينة "مادلين" أحد سفن أسطول الحريّة من ميناء كاتانيا بجزيرة صقلية بداية شهر جوان الجاري، محمّلة بالمساعدات الإنسانيّة من غذاء ومستلزمات طبيّة ومعدات لتحلية المياه وتوليد الكهرباء.

لكن المحتلّ اعترض السفينة في المياه الدولية على بعد 160 كيلومترًا من سواحل غزة، وقام باقتيادها نحو ميناء أشدود واعتقل النشطاء الـ12 الذين كانوا على متنها وهم: 
غريتا تونبرغ من السويد (ناشطة في العدالة المناخية) وريما حسن من فرنسا (عضو في البرلمان الأوروبي) ويانيس محمدي من فرنسا (صحفي) وعمر فياض من فرنسا (مراسل صحفي) وشعيب أوردو من تركيا (مهندس) وبابتيست أندريه من فرنسا (طبيب).

وأفراد الطاقم: مارك فان رين من هولندا وريفا سيفرت فيارد من فرنسا وباسكال موريراس من فرنسا وسيرجيو توريبيو من إسبانيا، وتياغو أفيلا من البرازيل ياسمين أكار من ألمانيا (لجنة توجيه الأسطول).

وتحمل السفينة اسم "مادلين كلّاب" وهي أول وأصغر فتاة فلسطينية احترفت مهنة الصيد في غزة سنة 2014، وتم اختيار اسمها كدلالة على روح الصمود والمقاومة التي يتحلّى بها الفلسطينيون منذ نعومة أظافرهم.

ومنذ انطلاق رحلة "مادلين" استنفرت بحريّة الكيان المحتلّ وشرعت في تنفيذ تدريبات مكثفة لاعتراض السفينة ولم تتوقّف التهديدات الإسرائيلية للناشطين الـ12 بإيقافهم ومنعهم من الوصول إلى غزة والسخرية منهم بوصفهم بـ"يخت السلفي" وبأنهم معادون للسامية وأبواق دعاية لحماس.

وزعم جيش الاحتلال أنّ السفينة ستتسلّل لتزويد حركة حماس بالأسلحة، لتقوم وحدات 'الكوماندوز' الإسرائيلية بمهاجمة السفينة يوم 9 جوان ومنعها من التقدّم واقتياد من كانوا على متنها للتحقيق في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

وبعد احتجازهم والتحقيق معهم تمّ ترحيل 4 منهم في مرحلة أولى بعد التوقيع على تعهّد بعدم العودة إلى الأراضي المحتلّة ثّم ترحيل 6 آخرين والإبقاء على باسكال موريراس ويانيس محمدي من فرنسا رهن الاحتجاز في سجن جفعون في الرملة.

ويعيد مشهد السفينة "مادلين" إلى الأذهان ما تعرّضت له السفينة التركيّة مافي مرمرة (Mavi Marmara) التي شاركت سنة 2010 في محاولة فكّ الحصار على غزة وحملت على متنها 6 آلاف طن من المساعدات الإنسانية، و750 ناشطا من 36 دولة عربية وأجنبية، لكنها تعرضت أثناء إبحارها في المياه الدولية قبالة سواحل فلسطين المحتلة للاعتداء من قبل قوات الاحتلال، فاستشهد 10 أتراك وأصيب 56 آخرين، وتعرض الناشطون للحبس والتعذيب والاستجواب وتمت مصادرة السفينة.

هذه التحركات الرمزيّة حتى وإن لم تنجح في فكّ الحصار وإدخال المساعدات الإنسانيّة إلى القطاع لكنها ستنجح حتما في فضح دمويّة العدوّ الصهيوني وهمجيته وفي إبقاء القضية الفلسطينية حيّة في الوعي العالمي وحتى لا ننسى أن غزة قدّمت آلاف الشهداء ممن دافعوا عن أرضهم ورفضوا سياسة التهجير ووقفوا عزلا في وجه دبابات وطائرات حربيّة.

وتبقى الآمال معلّقة في أن تتمكن قوافل الصمود من بلوغ رفح وإيصال المساعدات وفكّ عزلة قطاع دمرته حرب متواصلة منذ أكتوبر 2023.

*أميرة العلبوشي

(صورة المقال مولّدة بالذكاء الاصطناعي)

اقرا أيضا